قال حكيم يوماً لولده: اعلمْ يا بني أن الله خلق لك لساناً واحداً و أذنين، فهل تعرف لمَ ؟!
فقال الفتى: نعم يا أبتي، حتى نسمع أكثر مما نتكلم.
فقال الأب الحكيم: لا بني.
فاندهش الغلام متعجباً و قال: كيف يا أبي ذلك. ف
قال الأب الحكيم: ألا ترى بأن الله في معظم ما خلق جعل اللسان محمياً ببابين بينما الأذنان لا.
فقال الابن: نعم و الله يا أبتي، و لكن لمَ؟!
فقال الأب: ما ذلك إلا لخطورته، فالكلمة التي تخرج من فمك لا تستطيع أن تعيدها، بينما الأذنان تسمع بها ما تشاء وقت تشاء، والمرء بأصغريه قلبه و لسانه، و العبرة هنا يا بني لا بكثرة الكلام و لكن بنوعه، فاحرص كل الحرص على ألا تفضح ما بقلبك بلسانك، فهي الدليل عما به.
ألم ترَ أن الله تعالى قال في محكم آياته: ( و قلْ لعبادي يقولوا التي هي أحسن ...) الآية 53 سورة الإسراء.
و قال المصطفى صلى الله عليه و سلم: (( مَنْ ضَمِنَ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ ورجليهِ ضَمِنْتُ لهُ الجنَّةَ ))
أ تدري بني لمَ قدم النبي في قوله أعلاه ( ما بين لحييه ) على ( ما بين رجليه ) ؟؟
فقال الغلام: لا
قال الأب: وإنما قَدَّمَ ذِكْرَ اللسانِ لأنهُ أكثرُ الجوارحِ ذنوبا. أ عرفت الآن بني، لمَ جعل الله لك لساناً واحداً و أذنين ؟!!.
فقال الغلام: نعم يا أبتي. ثم
قال الأب الحكيم لابنه: فإن كنت يا بني حريصاً على نفسك من الهلاك فامسك عليك لسانك و لا تقلْ إلا خيراً، فما رأيت أحداً أهون على الناس من رجل يكثر من القيل و القال و لا يأنس إلا بأهل الجدال، فإن كان و لا بد من الحديث فاختر منه أطيبه لفظاً و أعذبه عبارة ، فو الله ما أسَرَ قلوبَ العباد من كلمة طيبة يطيب بها ذكرك عندهم و إلا فالزمْ الصمت، فمن صمت نجا.