هل استعاد فتوة العالم شرفه المهدور

مانشيتات يوم 12 سبتمبر 2001 والأيام التالية محاولة لوصف ما لا يوصف فالنيوز ويك وصفته بـ"الكابوس الأسوأ" ومجلة التايم الشهيرة وصفته بـ"يوم العار" وجريدة النيويورك تايمز كتبت "أمريكا هوجمت من قبل الإرهابيين" ولا أظن أي شخص قد عاصر هذا الحدث من الممكن أن ينساه فما بالك بالأمريكان! والآن بعد ثماني سنوات.. كيف تخطوا هذه الأزمة؟ وهل التأم جرحهم أم إنه مازال ينزف؟







مرسي ابن المعلم الزناتي انهزم يا مينز!

هذا المشهد عصي على النسيان بالفعل، أمريكا فتوة العالم، القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي قلب نيويورك أكبر مدنها ولأعلى ناطحتي سحاب تتوسطان المدينة تتوجه الطعنات ولا تمر دقائق إلا ومبنى البنتاجون في قلب العاصمة واشنطن يحترق هو الآخر، إنهم يهاجمون وزارة الدفاع الأمريكية رأساً، هذا ما يسمونه الضرب تحت الحزام. من؟ ولماذا؟ وكيف تتحول أفلام هوليوود إلى واقع مرعب؟

مَن.. تتأرجح شكوك الحكومة الأمريكية في خلال الأسبوع الأول بناء على ما نشرته النيوزويك في مقال عنوانه "لقد دمرنا الأهداف" بين ثلاث أشخاص وهم: أسامة بن لادن، وصدام حسين، ومعمر القذافي.
لماذا.. يشتعل النقاش من جديد حول ما طرحه صمويل هنتنجتون حول صراع الحضارات وعن خطورة الصحوة الإسلامية على الغرب وما أسماه هينتنجتون بأسباب العنف الإسلامي.



أما كيف.. فمن خلال انتحاريين وطائرات أمريكية مدنية مخطوفة لتستخدم ولأول مرة في التاريخ كأسلحة تدمير واسعة النطاق وخطة ليس من السهل تنفيذها سوى من خلال مؤسسة ضخمة.

الانتقام الرهيب

وقف بوش الابن وقال "إن الهجوم الإرهابي يستطيع أن يدمر المباني الكبيرة ولكنه لن يستطيع أن يمس أمريكا"! وبعد ذلك في مشاهد متتالية تذكر بفيلم "خللي بالك من زوزو" عندما قررت السندريلا أن تذود عن كرامة أمها "نعيمة ألمظية" بأن ترقص بدلا منها. استحضر بوش الابن كل معارك أبيه مع صدام حسين وقرر أن يشفي غليله بإعلان الحرب على العراق، على الإرهاب، على الإسلام أيضا بما أنه قد قرر أن يمنح الحرب طابعاً دينياً واعتبرها حرباً صليبية.

ويرجع هذا إلى انتمائه الذي تمتد جذوره السياسية إلى الحزب الجمهوري وهو يعتبر التيار المحافظ في أمريكا مقابل الحزب الديمقراطي الذي يميل إلى الليبرالية والذي يتبعه أوباما الرئيس الحالي. وبجانب هذا فهو ينتمي إلى طائفة تسمى ميثودية أو البروتستانت الإنجيليين وهم أمريكيون أصوليون يؤمنون بأن العراق جزء من أراضي الكتاب المقدس، ولكن الأسباب الدينية ما هي إلا ستار ومحاولة لتبرير الحرب بعيداً عن أطماعه في الاستيلاء على البترول وإحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط.

يا جبل ما يهزك ريح

بعيدا تماماً عن السياسة الأمريكية الخارجية، وعن رؤية العرب والمسلمين لأمريكا كطرف مؤازر للدولة العبرية، فالزائر لأمريكا كدولة والمتنقل من ولاية لولاية أياً كان السبب سياحة أو دراسة... إلخ سيندهش كثيرا وستراوده الكثير من الأسئلة.

بالنسبة لي عندما وصلت إلى أمريكا في أغسطس 2008 كان الوقت ليلا فلم أرَ من شباك الطائرة سوى الظلام، لم يبهرني كثيرا حجم المطار أو نظامه فمطار القاهرة هو الآخر يتمتع بمواصفات عالمية، وعندما وصلت لإحدى ضواحي واشنطن دي سي لم أرَ سوى بيوت صغيرة كنت أقسم لأصدقائي أني رأيت مثلها الكثير في حي المعادي القديم.

وفي اليوم التالي عندما أخذونا في جولة لرؤية العاصمة الأمريكية، كانت سعادتي تتعلق بالعمارة والجمال ولكن لا مباني شاهقة ولا ناطحات سحاب ولا بهرجة أفلام هوليوود. مرت شهور عليّ في أمريكا انتقل من ولاية لأخرى.

وفي لحظات الانتظار في مطاراتها الكبرى كنت أتعجب من حركة الطيران وكأنها خلية نحل، وأشعر بيقين كامل أن من يركبون الطائرات في أمريكا أكثر بكثير ممن يرتادون المواصلات العامة كالأتوبيسات ومترو الأنفاق حتى أن الطيران الداخلي بأمريكا أرخص من القطارات.

ومن أكثر الأسئلة التي كانت تحيرني وأنا بالطائرة في لحظات الهبوط في المدن الكبرى مثل شيكاغو أو سياتل أو نيوجيرسي كيف تخيل الشخص -أياً كانت هويته- الذي خطط لأحداث 11 سبتمبر أن تدمير برجي التجارة العالميين سوف يطيح بأمريكا كقوة عظمى؟ كيف توهّم أن القضاء على ثلاثة آلاف شخص من الأبرياء المنهمكين في أعمالهم اليومية هدف نبيل؟ وكيف صدّق منفذو العملية أن عملا كهذا سيدخلهم الجنة؟

ولم أملك سوى إجابة واحدة هي أن من فعل هذا لا يملك ذرة من عقل، فأمريكا من السماء تظهر كمملكة مترامية الأطراف، منظمة شديدة الانتظام والجمال حتى عشوائياتها أو قراها البعيدة، فأمريكا ليست بلداً واحدة ولا حكومة واحدة فهي 50 ولاية يقطنها أكثر من 300 مليون نسمة وكل ولاية لها أموالها وقوانينها ونقاط قوتها وضعفها، وهذه الولايات أو الدول الصغيرة تكمن قوتها في اتحادها وفي ذوبانها في بعضها البعض وفتح حدودها. فكيف يؤثر تدمير مبنيين وقتل 3000 شخص في هذا.

ويظل السبب الذي يصدقه العالم وهو أن من فعل هذا رغب فقط في إرهاب أقوى دولة في العالم على الرغم من كل ما تمتلكه من وسائل دفاعية، وأجهزة اتصال، وجهاز استخبارات رفيع المستوى لا مثيل له في العالم.



التعافي
حتى الآن مازال الزائر لنيويورك يشتري تذكارات المدينة ويزين بها البرجين وكأنهما مازالا يقفان مكانهما، وإن كانا قد تحولا إلى حديقة ونصب تذكاري وشلالات مياه صناعية.

لن ينسى الأمريكان ضحاياهم خاصة بعد تخليد ذكراهم وذكرى ما حدث في متحف كبير يضم بقايا مركز التجارة العالمي وصور الضحايا


إن نتائج أحداث 11 سبتمبر قد أثرت على العالم أجمع وليس على أمريكا فقط، فحرب العراق والأزمات الاقتصادية المتتالية، والكثير من الصراعات التي تعرض لها الإسلام والمسلمون، ورغم كل هذا تظل أمريكا متربعة على عرش العالم بعد أن استغلت ما حدث أحسن استغلال لصالحها، فوجدتها فرصة لإعادة توحيد البلاد، وترسيخ فكرة الهوية الأمريكية ومفاهيم المواطنة والوطنية وغيرها من مفاهيم كانت قد خبت، كما اتخذت منها وسيلة للتوعية بالإرهاب، ولتبرير الحروب التي تشنها وهكذا استطاعت أمريكا أن تستفيد من هذه الأحداث لتؤكد أن الفتونة مخ وعضلات