..:: الدلائل البيّنات في عدم سماع الأموات ::..
الحمد لله المنفرد بكل كمال الموصوف بأتم صفات العظمة و الجلال ، المنفرد باستحقاق العبادة و الدعاء و الإنابة ، ثم الصلاة و السلام على النبي المتبع و آله و صحبه مجاهدي المحدثات و البدع .. وبعد :
فهذا اختصار و انتقاء من كتاب محرر مجود صنفه العلامة العراقي نعمان الآلوسي رحمه الله تعالى و وسمه بـ [ ـالآيات البيّنات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات ] ، وقد علق عليه الإمام الألباني تعليقات مفيدة فريدة ، فاختصرت ذلك كله و انتقيت منه أهمه ، و اعلم أني لم ألخص إلا ما يتعلق بهذه المسألة تعلقاً مباشراً ، و إلا فإن في الكتاب فوائد أخرى كثيرة لم أتعرض لها بهذا التلخيص .
ثم اعرف أن الرقم المدرج قبل كل فقرة هو رقم الصفحة التي فيها هذا الكلام من الكتاب الأصل ، و بالله التوفيق .
محمد جميل حمامي القدس الخامس من جمادي الأولى 1431(21) اعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون ، إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله عز وجل ، فلا يجوز الخوض فيها بالأقيسة و الآراء ، و إنما يتوقف فيه مع النص إثباتاً ونفياً .
(11) و ستظهر أهمية هذه المسألة إذا علمت أن ما من أحد يعبد قبراً كأن يتوجه لميت بدعاء أو استغاثة أو توسل أو نحوه إلا وهو يعتقد سماع الأموات للأحياء ، وهذا – ولا شك – نوع من أنواع الشرك فإذا ما تحقق أن الميت لا يسمع الحيّ فبهذا اجتثاث لأصل تلك العقيدة الفاسدة .
فإن الصحيح الذي تنصره الدلائل هو عدم سماع الميت من الحي :
ـ فصل في نفي سماع الميت من الحي و أدلة ذلك ـ
(21) ويدل عليه قوله تعالى : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } [ فاطر : 22] ، و قوله : { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } [ النمل :80 ، و الروم : 52 ]
و إن كان المعنى في هاتين الآيتين مراد في الكفار إذ شُبِهوا بالموتى لموت قلوبهم و فساد نفوسهم وعدم استجابتهم للحق ، ولكن لا مانع من الاستدلال بها على ما سبق لأن الموتى لما كانوا لا يسمعون في الحقيقة شبه الله الكفار بهم .
وقد قال قتادة : [ فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر ] ( تفسير ابن جرير الطبري (21/36) ، و الأحاديث الآتية تشهد لهذا .
(28) و يدل على ذلك أيضاً حديث ابن عمر إذ قال : ( وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قَليب بدر ، فقال : هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ؟ ثم قال : [ إنهم الآن يسمعون ما أقول ] ، فَذُكر ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت : إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنهم الآن يعلمون أن الذي كنتُ أقول لهم هو الحق ، ثم قرأت : { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [ رواه البخاري ]
و حديث أبو طلحة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يناديهم ( يعني صناديد قريش الذين واراهم في القليب بعد معركة بدر ، وناداهم بعد دفنهم بثلاثة أيام ) بأسمائهم و أسماء آبائهم ، يا فلان ابن فلان ، و يا فلان ابن فلان ! أيسركُم أنكم أطعتم الله ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟
فقال عمر – رضي الله عنه - : يا رسول الله ! ما تُكَلم من أجساد لا روح فيها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( و الذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم )
قال قتادة : ( أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً و تصغيراً و نقمة وحسرة و ندماً ) [ أخرجه الشيخان ] .
و وجه الدلالة من هذا :
- في حديث عائشة نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قيد سماع موتى القليب بقوله ( الآن ) وهذا يعني أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت ، فكانت معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم .
- و يستفاد من حديث عمر رضي الله عنه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لما استقر في نفس عمر و غيره من الصحابة و اعتقادهم أن الموتى لا يسمعون ، وبسبب علمهم هذا الأمر سألوا عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لموتى القليب ، فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الذي تقرر عندهم ولكن استثنى من ذلك موتى القليب أنهم يسمعونه الآن توبيخاً لهم ، فكانت هذه الحادثة واقعة عين لا عموم لها .
- و في رواية الإمام أحمد أن عمر رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : [ يا رسول الله ! أتناديهم بعد ثلاث ، وهل يسمعون ؟ يقول الله عز وجل { إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ... الحديث ] ( وهو على شرط مسلم )
فتجد أن عمر و عائشة قد استدل كل منهم لاعتقاده بهذه الآية ، و لم نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر ليس معنى الآية كما قلت ، ولكنا نجد أنه استثنى حادثة القليب من ذلك .
(55)ملاحظة : قد يظن البعض أن ثمة تعارض بين نسبة عائشة رضي الله عنها العلم فقط لأهل القليب ، و إثبات غيرها من الصحابة سماعهم من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ، و الجمع سهل بأن يقال : أثبت لأهل القليب حين ناداهم السمع و العلم معاً ، فلا تعارض .
(36) ويدل على ذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ) ( وهو في صحيح سنن أبي داود )
فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع من يسلم عليه لما كان هنالك حاجة لوجود ملائكة تبلغهم سلامهم ، ولا فرق في هذا بين من كان قريباً من قبر النبي صلى الله عليه وسلم و من كان بعيداً .
نعم ! ورد في الحديث ( ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي فرددت عليه ) وهو حديث حسن ، إلا أنه حديث مطلق ليس فيه تصريح سماع النبي صلى الله عليه وسلم من مَن سلم عليه مباشرة .
(40)فالحق أن الموتى لا يسمعون في الأصل، و يخرج من هذا الأصل ما استثنى الدليل كسماع الميت قرع نعال من شيعه عند دفنه ، فتنبه .
ـ فصل : بعض عبارات العلماء في ذلك ـ
(54) قال الطحطاوي الحنفي : ( ... الميت لا يسمع ولا يفهم ) [ في حاشيته على الدر المختار (2/381ـ382) ]
(58) و قال ابن الهمام الحنفي في فتح القدير : ( عند أكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى : هو أن الميت لا يسمع عندهم ، على ما صرحوا به في كتاب [ الأيمان ] في " باب اليمين بالضرب " : " لو حلف لا يكلمه فكلمه ميتاً ، لا يحنث ، لأنها تنعقد على ما يحنث يفهم ، و الميت ليس كذلك لعدم السماع ) ا.هـ
(68) و نقل السفاريني الحنبلي في [ البحور الزاخرة في أحوال الآخرة ] قول الحافظ ابن رجب في ( أهوال القبور : [ .. قد وافق عائشة على نفي سماع الموتى كلام الأحياء طائفة من العلماء ، و رجحه القاضي أبو يعلى من أكابر أصحابنا في كتابه [ الجامع الكبير ] و احتجوا بما احتجت به ، و أجابوا عن حديث قليب بدر بما أجابت به عائشة رضي الله عنها ، و بأنه يجوز أن يكون ذلك معجزة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وهو سماع الموتى لكلامه ] ا.هـ
(72) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/182) : ( .. قال ابن التين : .. الموتى لا يسمعون بلا شك .. ) ا.هـ
(73) و قال المناوي عن حديث سماع الميت خفق نعال المشيعين إذا ولوا منصرفين : ( السماع في حديثنا مخصوص بأول الوضع في القبر ) ا.هـ
(74) و قال الإمام الطيبي في ( المفاتيح في حل المصابيح ) : [ ... فإن جسده قبل أن يأتيه الملك و يقعده ميت لا يحس بشيء ] ا.هـ
(82) و قال الإمام ابن حزم الظاهري في ( الملل و النحل ) [4/67] : ( .. الجسد فلا حِسَّ له ، قال الله عز و جل : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } ، فنفى الله عز وجل السمع عمّن في القبور .. ) ا.هـ
ـ فصل : في إبطال أدلة المخالف ـ
وربما يستدل المخالف بحادثة القليب ، وقد تبين لك وجهها .
(37) و لعله يستدل بحديث ( إن العبد إذا وضع في قبره و تولى عنه أصحابه و إنه ليسمع قرع نعالهم ..) [ متفق عليه ]
فليس فيه ما يفيد سماع الميت من الحي مطلقاً ، و إنما هو خاص بوقت وضعه في القبر ، و بهذا قال ابن عابدين (56) و ابن الهمام (58) و المناوي (73) بأنه خاص بأول الوضع في القبر .
(95) أما استدلاله على سماع الميت للحي بجواز زيارة الميت من قِبل الحي و السلام عليه ، فيقال :
إن هذا أمر تعبدي محض ، وقد قال الطحطاوي في حاشيته (341) [ المقصود منه الدعاء لا الخطاب ] .
و من ثم فإننا نسلم في آخر صلاتنا سراً و لا يلزم من هذا السلام على المؤمنين سماعهم له .
و كذلك فإن السلام هو الرحمة للموتى ، وقد شاع في العربية إنزال ما هو كذلك منزلة السامع ، كتسليم الرجل على الديار أو مخاطبتها بعد المزار ، ولا يقول قائل إن الدار سمعت المتكلم !
و من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خاطب الهلال : ( .. ربنا وربك الله ) فهل سمع الهلال النبي صلى الله عليه وسلم ؟!
(38) وهذا النبي صلى الله عليه وسلم زار قباء وكان يقول دعاء دخول المسجد فهل يقال إن المسجد شعر بزيارة زائره ؟
و هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم يدعون في تشهدهم بالصلاة فيقولون : ( السلام عليك أيها النبي ... ) و هم منهم من كان خلفه أو قريباً منه أو بعيداً عنه في مسجده و في غير مسجده فهل يقول قائل أنه سمعهم ؟
فلا تلازم بين زيارة القبور و السلام على من بها و الدعاء لهم ، و سماع الموتى لهذا الزائر .
و قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاقتضاء (416) [ .. و الإنسان قد يفعل هذا كثيراً ؛ يخاطب من يتصوره في نفسه ، و إن لم يكن في الخارج من سمع الخطاب ] .
(77) أما كون أن الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم
(80) و أن العذاب و النعيم يقعان على الروح و الجسد ، فإثبات ذلك لا يعارض بوجه نفي سماع الميت للحي .
أما ما يروى عن علي و عمر قولهم ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين أما نساؤكم فنكحت و أما أموالكم فقسمت ، و أما دوركم فقد سكنت ، فهذا خبركم عندنا فما خبرنا عندكم )
فقد قال الإمام الألباني (55) : لم أقف على سنده ، وما أراه يصح .
و إجابة الأموات لعمر : ( الجلود تمزقت ، و الأحداق قد سالت ما قدمنا لقينا و ما أكلنا ربحنا و ما خلفنا خسرنا ) قال عنه الإمام الألباني (55) : هو معضل .
(62) و كذلك الأحاديث التي في تلقين الميت بعد الموت كلها ضعيفة لا تصح ، و الصحيح أن التلقين يكون قبل الموت لورود الدليل الصحيح على ذلك .
(63) أما الحديث الذي في قراءة سورة { يس } على الميت لا تقوم به حجة .
(69) و قول النبي صلى الله عليه وسلم لشهداء أحد ( أشهد أنكم أحياء عند الله تعالى ، فزوروهم ، و سلموا عليهم ، فوالذي نفسي بيده لا يُسلِّم أحدٌ عليهم إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة )
فقد أعله الحافظ ابن رجب بالانقطاع و الإرسال و هو في الضعيفة ( 5220)
و حديث ( أن أهل القبور يسمعون السلام عليهم ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا ) فهو حديث منكر و تجده في الضعيفة ( 5225 )
و حديث ( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه و رد عليه ) فقال الحافظ ابن رجب : منكر ضعيف
ومثله و أشد ضعفاً منه قول أبو هريرة رضي الله عنه لمن سأله عن السلام على القبر .
(80) أما حديث ( من صلى عليّ عند قبري سمعته ، و من صلى عليّ نائياً أبلغته ) فهو حديث موضوع كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية